موضوع: القرآن الكريم صحة للنفس واقتلاع للاضطرابات النفسية 2012-10-23, 01:27
الاضطرابات النفسية هي انحرافٌ في سلوك الإنسان وتصرفاته يؤدي به إلى الضعف والقلق والصراع النفسي، ويصبح عاجزاً عن ممارسة حياته بصورة سوية.
وأنواع الاضطرابات كثيرة، من أشهرها القلق والاكتئاب والوسواس القهري وتوهم المرض والخوف (الرهاب) والأرق.
النظريات المفسرة للإضطراب النفسي: إن أهم الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالاضطراب النفسي عند علماء النفس، وهي ليست على درجة واحدة من التأثير في الإنسان، بل إنهم اختلفوا في مستويات تأثيرها، وتشكل من هذا الاختلاف ثلاث نظريات:
1- النظرية البيوفسيولوجية وقد اعتبر أصحاب هذه النظرية أن الوراثة هي السبب الأول والأخير في إصابة الإنسان بالاضطرابات النفسية وقالوا: "إن الوراثة هي التي تحدد خصائص الشخصية، وتحدد البيئة التي تنمو فيها، فارتقاء الإنسان السوي والشاذ محدد من قبل الجينات".
2- النظرية البيو-اجتماعية ويركز أصحابها على دور الوراثة الأكبر في الانحرافات النفسية، لكنهم يعطون للبيئة دورا في ذلك فيقولون: "إن الخلل النفسي الوراثي المنشأ لا يفعل فعله إلا إذا تهيأت له ظروف بيئية ضاغطة".
3- النظرية التفاعلية ويرى أصحاب هذه النظرية أن الاستعدادات النفسية التي تجعل الشخص مهيأ للانحرافات النفسية الظاهرة تتكون من تفاعل المعطيات الوراثية المعيبة، والظروف البيئية الضاغطة، فلا الوراثة وحدها كافية لنموها، ولا الظروف البيئية الضاغطة وحدها كذلك، بل لابد من تفاعل كلا الأمرين معا
القرآن يقتلع الاضطراب النفسي
والمتأمل في النظريات المتقدمة يدرك أنها تدخل ضمن الإطار العام للعلم الذي حث القرآن الكريم على طلبه والوصول إليه في غير ما آية من كتاب الله عز وجل، بيد أنها تبقى ضمن دائرة احتمال الخطأ والصواب. وهذا الاحتمال يقف منه القرآن الكريم موقفا داعما لبذل مزيد من الجهد والدراسات فيه حتى يصل إلى درجة الحقيقة العلمية. ويستثنى من إطار النظريات التي يدعمها القرآن الكريم تلك التي بناها أصحابها -بقصد أو بغير قصد- على أسس وقواعد تتناقض مع حقائق القرآن الثابتة. ومن هذه النظريات، النظرية البيوفسيولوجية والتي اعتبر أصحابها أن الوراثة هي السبب الأول والأخير في إصابة الإنسان بالاضطرابات النفسية، وبالتالي فإن سلوكه المنحرف ما هو إلا رد فعل لتركيبه البيولوجي. فهذه النظرية تتصادم مع مسلمات القرآن الكريم في تأكيده على منح الإنسان جزءاً من الحرية لاختيار الخير أو الشر، الفساد أو الصلاح، الهداية أو الضلال.. ومن ثم طلب منه السعي إلى سلوك طريق الهداية وتزكية النفس، ووعده الثواب على ذلك، ونهاه عن سلوك طريق الغواية واتباع هوى النفس، وأوعده العقاب على ذلك. قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾(النازعات:37-41)، وقال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾(الشمس:7-10). وفي مقابل ما توصل إليه الطب النفسي من أسباب لحدوث الاضطرابات النفسية، نجد القرآن الكريم يشير إلى السبب الرئيس والأهم في إصابة الإنسان بالاضطراب النفسي، ألا وهو الجهل بالحقيقة المطلقة لهذا الوجود. وهذا الجهل ناتج عن الكفر بالله والبعد عن الركون إلى جنابه العظيم.
وغاية الوجود الانساني حدد عا الله تعالى في هذا الكون بقوله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذريات:56]،قال الحافظ ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: أي إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي لا لاحتياجي إليهم
والتوحيد هو حقيقة الوجود فأولى تلك الكليات التي تجيء كركائز للتصور القرآني ماثلة في إثبات وجود الله جل شأنه، الخالقِ المتفرد بالخلق والإنشاء والتقدير، المتصرف في مقادير السموات والأرض بسطا وقبضا، وإثباتِ ما يليق بجلاله من صفات الكمال والجلال.1 فالمؤمن يدرك حقيقة الوجود وهي افراد الله بالتوحيد والربوبية فكانما ايمان المؤمن طاقة نفسية ونور عظيم يسعى معه فيبعده عن اسباب القلق والتوتر والاضطراب فهو الآمن بحمى الله تعالى المستظل برحمته المطمئن بقربه.
وقد عبر القرآن الكريم عن هذه الحقيقة بألفاظ مختلفة. تأمل على سبيل المثال قوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾(الكهف:28)، وقوله سبحانه: ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾(البقرة:257)، بل تأمل معي قوله تعالى وهو يسبر أغوار النفوس ليصف لنا حقيقة المؤمن بالله وما يتمتع به من أنوار، وحقيقة الكافر به وما يخيم على قلبه من ظلمات فيقول: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(الأنعام:122).
ومن هنا كانت حياة القريبين من الله مليئة بالسعادة الحقيقة مهما اكتنفها من مصاعب أو ظروف، بينما نجد أن حياة البعيدين عنه سبحانه في شقاء وضنك مهما تيسر لها من المتع والملذات: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾(طه:123-124). ولست بحاجة لأن أُجرِي أية إحصائية أو دراسة تحليلية لمعرفة مدى انطباق هذه القاعدة الكلية على الواقع، ليس من مبدأ إيمانِي العميق بما يقوله القرآن الكريم فحسب، بل بما أشاهده وأعايشه وأعاينه كل يوم من الوقائع القريبة والبعيدة وعلى امتداد العام بأسره.
همسة اخيرة: الإيمان يجلب الطمأنينة ومن هنا يقول سيد قطب رحمه الله: "والحياة المقطوعة الصلة بالله ورحمته الواسعة ضنك مهما يكن فيها من سعة ومتاع.. إنه ضنك الانقطاع عن الاتصال بالله والاطمئنان إلى حماه، ضنك الحيرة والقلق والشك، ضنك الحرص والحذر؛ الحرص على ما في اليد والحذر من الفوت، ضنك الجري وراء بارق المطامع والحسرة على كل ما يفوت، وما يشعر القلب بطمأنينة الاستقرار إلا في رحاب الله، وما يحس راحة الثقة إلا وهو مستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها.. إن طمأنينة الإيمان تضاعف الحياة طولا وعرضا وعمقا وسعة، والحرمان منه شقوة لا تعدلها شقوة الفقر والحرمان".
المصدر:
د. أحمد محمد شعبان*/رئيس قسم البحوث بمركز بحوث ودراسات المدينة المنورة / بتصرف من مقال منشور الاضطرابات النفسية بين الطب النفسي و حقائق القرآن الكريم. 1-د. عصمت محمود أحمد/جامعة الخرطوم، قسم الفلسفة / السودان./مجلة حراءالعدد 15/بالقرآن تسعد القلوب وتأنس النفوس.
القرآن الكريم صحة للنفس واقتلاع للاضطرابات النفسية